فصل: التفسير المأُثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والحقيقة أن ما يتناوله النحل من أنواع الثمار إنما هو بالقوة لا بالفعل، ولهذا فهو يساهم في عملية تكوينها، فما أشمل وأدق التعبير القرآني {من كل الثمرات}.
2- السبل المذللة!
لقد توصل العلماء المتخصصون بدراسة حياة النحل إلى ما يلي: تخرج في كل صباح مجموعة من النحل لمعرفة أماكن وجود الأوراد وتعيينها، ثم تعود إلى الخلية لتخبر بقية النحل عن أماكن الورود والجهات التي ينبغي التوجه إليها، ومقدار الفاصلة بين الورود والخلية.
ويستعمل النحل أحيانا لأجل تعيين طرق وصوله إلى الأوراد علامات خاصة كأن يشخص طبيعة الروائح المنتشرة على طول الطريق أو ما شابه ذلك، وذلك لضمان عدم إضاعة الطريق ذهابا وإيابا.
ولعل عبارة {فاسلكي سبل ربك ذللا} إشارة لهذه الحركة.
3- أين يصنع العسل؟
ربما، إلى الآن يوجد من يتصور بأن النحل يمتص رحيق الأوراد ويجمعه في فمه ثم يخزنه في الخلية، وهذا خلاف الواقع، فالنحلة تجمع الرحيق في حفر خاصة داخل بدنها يطلق عليها علميا اسم الحوصلة وهي بمثابة معامل مختبرات كيمياوية خاصة تقوم بعمليات تحويل وتغيير مختلفة لرحيق الأزهار، حتى يصل إلى إنتاج العسل، الذي تقوم النحلة بإخراجه وجمعه في الخلية.
والمدهش أن سورة النحل مكية، وكما هو معلوم بأن مكة منطقة جافة ليس فيها نحل لعدم توفر النباتات والأوراد التي يحتاجها ومع ذلك فالقرآن الكريم يتحدث بكل دقة عن النحل ويشير إلى أدق أعماله إنتاج العسل: {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه}.
4- ألوان العسل المختلفة:
تتفاوت ألوان العسل وفقا لتنوع الأوراد التي يؤخذ رحيقها منها.. فيبدو أحيانا بلون البن القاتم، وأحيانا أخرى يكون أصفر اللون، أو أبيض فضي، أو ليس له لون، وتارة تراه شفافا، وتارة أخرى ذهبي أو تمري وقد تراه مائلا إلى السواد!
ولهذا التفاوت في اللون حكمة بالغة قد تبينت أخيرا مفادها: إن للون الغذاء أثر بالغ في تحريك رغبة الإنسان إليه.
وهذه الحقيقة ما كانت خافية على القدماء أيضا، فكانوا يعتنون بإظهار لون الغذاء المشهي لدرجة كانوا يضيفون إليه بعض المواد تحصيلا لما يريدون كإضافة الزعفران وما شابهه.
ولهذا الموضوع بحوث مفصلة في كتب التغذية لا يسمح لنا المجال بعرضها كاملة خوفا من الإبتعاد عن مجال التفسير.
5- العسل.، والشفاء من الأمراض:
كما نعلم بأن للنباتات والأوراد استعمالات علاجية فعالة لكثير من الأمراض، ولا زلنا نجهل الكثير من فوائدها على الرغم من كثرة ما عرفناه، والشيء المهم في موضوعنا ما توصل إليه العلماء من خلال تجاربهم التي أكدت على أن للنحل من المهارة بحيث أنه في علمية صنعه للعسل لم يبذر فيما تحويه النباتات والأوراد من خواص علاجية، فالنحل ينقل تلك الخواص بالكامل ويجعلها في العسل!
وقد صرح العلماء بكثير من تلك الخواص الوقائية والعلاجية والمقوية.
فالعسل: سريع الإمتصاص من قبل الدم، ولهذا فهو غذاء مقو ومؤثر جدا في تكوين الدم.
والعسل: يقي المعدة والأمعاء من العفونة.
والعسل: رافع لليبوسة.
وهو علاج ضد الأرق على أن لا يتناول الكثير منه، لأن الإكثار منه يقلل النوم.
وللعسل: أثر مهم في رفع التعب وتشنج العضلات.
والعسل: يقوي الشبكية العصبية للأطفال إذا ما أطعمت الأم أثناء الحمل.
ويرفع نسبة الكالسيوم في الدم.
ونافع لتقوية الجهاز الهضمي وبالخصوص لمن أبتلي بنفخ البطن.
وبما أنه سريع الإحتراق فهو يعمل على توليد الطاقة بسرعة فائقة بالإضافة لترميمه للقوى.
والعسل أيضا: مقو للقلب، مساعد في علاج أمراض الرئة، نافع للإسهال لخاصيته في قتل المكروبات.
ويعتبر العسل عاملا مهما من عوامل معالجة قرحة المعدة والأثنى عشري.
وهو دواء نافع لعلاج الروماتيزم، ونقصان قوة نمو العضلات، ورفع الآلام العصبية.
وبالإضافة إلى ذلك فهو نافع في رفع السعال وعامل مهم لتصفية الصوت.
والخلاصة: إن خواص العسل العلاجية أكثر من أن يحيط بها هذا المختصر.
ومع ذلك كله فإنه يدخل في صناعة الأدوية لتلطيف الجلد وللتجميل، ويستعمل لطول العمر، ولعلاج ورم الفم واللسان والعين، ويستعمل أيضا لمعالجة الإرهاق، وتشقق الجلد، وما شابه ذلك.
أما المواد والفيتامينات الموجودة في العسل فكثيرة جدا، وفيه من المواد المعدنية: الحديد، الفسفور، البوتاسيوم، اليود، المغنيسيوم، الرصاص، النحاس، السلفور، النيكل، الصوديوم وغيرها.
ومن المواد الآلية فيه: الصمغ، حامض اللاكتيك، حامض الفورميك، حامض السيتريك والتاتاريك والدهون العطرية.
أما ما يحويه من الفيتامينات، ففيه: فيتامينات (أ، ب، ث، د، ك) (K، D، C، B، A)، ويعتقد البعض باحتوائه على فيتامين (پ ب P B) أيضا.
وأخيرا: فالعسل علاج لصحة وجمال الإنسان.
وصرحت الروايات كذلك بخواص العسل العلاجية، وورد الكثير عن أمير المؤمنين عليه السلام والإمام الصادق عليه السلام وبعض الأئمة المعصومين عليهم السلام من أنهم قالوا: ما استشفى الناس بمثل العسل.
وبرواية أخرى: لم يستشف مريض بمثل شربة عسل.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «من شرب العسل في كل شهر مرة يريد ما جاء به القرآن، عوفي من سبعة وسبعين داءا».
وثمة أحاديث أخرى حول أهمية العسل في علاج آلام البطن.
ونذكر أن لكل حكم عام أو قاعدة كلية استثناء، ولهذا فقد ورد النهي عن تناول العسل في بعض الحالات النادرة.
6- {للناس}:
ومما يجذب النظر أن خبراء النحل يرون كفاية امتصاص وردتين أو ثلاث لسد جوع النحلة، إلا أنها تحط على (250) وردة في كل ساعة كمعدل ولأجل ذلك تقطع مسافة كليومترات، وعلى الرغم من قصر عمر النحلة، إلا أنها تنتج كمية لا بأس بها من العسل، وقد لا يصدق كثرة ما تنتجه قياسا لما تعيشه من عمر، ولكن ما تقوم به من مثابرة وعمل دؤوب لا يعرف الكلل والملل قد هيأها لأن تقوم بهذا العمل الكبير العجيب.
وكل ذلك السعي وتلك المثابرة ليس في واقعه لملء بطنها بقدر ما عبر عنه القرآن الكريم ب {للناس}.
7- ملاحظات مهمة بخصوص العسل:
أثبت العلم الحديث أن العسل من المواد الغذائية التي تبقى على الدوام طازجة وسالمة ومحافظة على كل ما تحويه في فيتامينات مهما طالت المدة لأنه من المواد غير القابلة للفساد.
ويعزو العلماء سبب ذلك لوجود نسبة البوتاسيوم الوافية فيه المانع من نمو الجراثيم، بالإضافة لاحتوائه على بعض المواد المقاومة للعفونة كحامض الفورميك فمضافا لكون العسل مانع من نمو الجراثيم، فهو قاتل لها أيضا ولهذا السبب فقد استعمله المصريون القدماء في عملية التحنيط.
ويقول العلماء: لا ينبغي حفظ العسل في أواني فلزية.
ويقول القرآن في هذا الجانب: {من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون}، أي: إن بيوت النحل لا ينبغي أن تكون إلا بين الأحجار والأخشاب.
وملاحظة مهمة أخرى: للإستفادة من خواصه الصحية والعلاجية ينبغي عدم تعريضه لحرارة الطبخ. يعتقد البعض أن تعبير القرآن بكلمة {شراب} إشارة لهذه المسألة، فهو من المشروبات وليس من المأكولات كي يعرض لحرارة الطبخ.
وثمة ملاحظة أخرى: على الرغم مما تسببه لسعة النحل من ألم، إلا أن لهذا أثر علاجي أيضا، ومع ذلك ونتيجة لطبع النحل اللطيف فإنه لا يلسع أحدا بلا سبب، بل نحن ندفعه إلى ذلك ونضطره ليلسعنا عن علم أو جهل.
ومن الأسباب التي تدفع النحل للسع الإنسان: عدم ارتياحه للروائح الكريهة، وعندما يقترب الإنسان من الخلية لجني نتاج النحل فهي لا تلسعه إلا إذا كانت يده ملوثة أو أن في لباسه رائحة كريهة، أو عندما يمد الإنسان يده إلى خلية ما وبدون أن يغسل يده يمدها إلى خلية أخرى، فإن نحل الثانية ستسرع في لسعه لأنه قد نقل إليها رائحة خلية أجنبية!
وعلى الرغم من أن اللسع يحمل أهدافا دفاعية، إلا أنه بالنسبة للنحل يعني الانتحار لأنه بمجرد أن تقوم النحلة باللسع فإنها قد كتبت على نفسها مصير الموت!
وقد وضع العلماء المتخصصون برنامجا معينا لمعالجة الأمراض كالروماتيزم والملاريا والآلام العصبية وغيرها عن طريق لسعات النحل، والا فإن لسع النحل قد يؤدي إلى آلام مؤذية تصل في بعض حالاتها إلى مخاطر كبيرة.
وقد يتحمل الإنسان لسعة أو عدة لسعات، ولكن الأمر حينما يصل إلى (200- 300) لسعة فإن ذلك سيؤدي إلى التسمم واضطرابات في القلب، وإذا ما وصل العدد إلى (500) لسعة فسوف يؤدي إلى شلل الجهاز التنفسي، وربما يؤدي إلى الموت.
8- عجائب حياة النحل.
كان القدماء يعرفون القدر اليسير عن حياة النحل، أما اليوم ونتيجة لدراسات العلماء الواسعة فقد تبين أن للنحل حياة منظمة جدا ويتخللها: تقسيم أعمال، توزيع مسؤوليات وبرنامج عمل دقيق جدا.
ومدينة النحل: أكثر المدن نظافة، وأكثرها نظاما، كلها عمل.. إنها مدينة على خلاف كل مدن البشر، فليس فيها بطالة ولا فقر، والكل يعيش حياة تمدن جميل وكل أفراد المدينة يخضعون لقوانينها ولا ترى مخالفا للضوابط القانونية ولا مقصرا في عمله إلا ما ندر، وإذا ما حدث ذلك كأن تذهب إحدى النحلات إلى وردة كريهة الرائحة وتمتص رحيقها، فإنها ستخضع للتفتيش عند أعتاب المدينة ثم تحاكم في محكمة صحراوية، والإعدام بالموت هو المعروف عن ارتكاب مثل هذه الأخطاء!.
يقول مترلينك عالم البيئة البلجيكي الذي أجرى العديد من الدراسات حول حياة النحل والنظام العجيب الذي يحكم مدنها: إن ملكة النحل أو على الأصح أم الخلية لا تعيش في مدينتها، كما نتصور من سلطتها وإصدارها الأوامر، بل هي كسائر أفراد هذه المدينة في إطاعتها للقواعد والأنظمة الكلية السائدة إننا لا نعلم كيف وضعت هذه القوانين والأنظمة، وننتظر أن نفهم هذا الأمر يوما ما، ونعرف واضع هذه المقررات، إلا أننا نسميه مؤقتا روح الخلية!!
إن الملكة تطيع روح الخلية شأنها شأن بقية الأفراد.
إننا لا نعلم أين توجد روح هذه الخلية؟ وفي أي فرد من سكنة مدينة النحل قد حلت؟
إلا أننا نعلم أن روح الخلية ليست شبيهة بغريزة الطيور، ونعلم أيضا أن روح الخلية ليست عادة وإرادة عمياء تحكم عنصر ونوع النحل، إن روح الخلية تقوم بتحديد وظيفة كل فرد من أفراد الخلية وفق استعداده، وتوجه كل واحد منها نحو عمل معين.
إن روح الخلية تأمر النحل المهندس والبناء والعامل ببناء البيوت، وهي التي تأمر سكنة المدينة جميعا بالهجرة منها في يوم معين وساعة معينة، وتتجه نحو حوادث ومشاق غير معلومة من أجل تحصيل مسكن ومأوى جديد!
إننا لا نستطيع أن نفهم في أي مجمع شورى قد طرحت قوانين مدينة النحل التي وضعتها روح الخلية واتخذ قرارها بتنفيذها، من يصدر الأمر بالحركة في اليوم المعين؟
نعم، إن في الخلية مقدمات هجرة من أجل إطاعة الإله الذي بيده مصير النحل.
إن العالم المذكور قد واجه الإبهام في فهم هذه المسألة، لما علقت في ذهنه من ترسبات الفكر المادي!
ولكننا نفهم بيسر من أين جاءت تلك القوانين والبرامج؟ ومن الآمر بها؟ وذلك من خلال الإستهداء بنور القرآن.
ما أجمل ما عبر عنه القرآن حين قوله: {وأوحى ربك إلى النحل}!
أو هل ثمة تعبير أوسع وأشمل وأنطق من هذا؟!
لم نذكر فيما قلناه عن النحل إلا النزر اليسير لأن منهج التفسير لا يسمع لذا بمواصلة هذا الموضوع.
ونظن كفاية هذا القدر للمتفكر السائر نحو معرفة عظمة الله: {إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون}. اهـ.

.التفسير المأُثور:

قال السيوطي:
{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)}.
أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وأوحى ربك إلى النحل} قال: ألهمها.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الحسن قال: النحل دابة أصغر من الجندب، ووحيه إليها قذف في قلوبها.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن مجاهد في قوله: {وأوحى ربك إلى النحل} قال: ألهمها إلهامًا، ولم يرسل إليها رسولًا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي، عن ابن عباس في قوله: {وأوحى ربك إلى النحل} قال: أمرها أن تأكل من كل الثمرات، وأمرها أن تتبع سبل ربها ذللًا.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {فاسلكي سبل ربك ذللًا} قال: طرقًا لا يتوعر عليها مكان سلكته.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر، عن قتادة في قوله: {فاسلكي سبل ربك ذللًا} قال: مطيعة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن زيد في الآية قال: الذلول الذي يقاد ويذهب به حيث أراد صاحبه. قال: فهم يخرجون بالنحل وينتجعون بها، ويذهبون وهي تتبعهم، وقرأ: {أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعامًا فهم لهم مالكون وذللناها لهم} [يس: 71-72]. الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي رضي الله عنه في قوله: {فاسلكي سبل ربك ذللًا} قال: ذليلة لذلك، وفي قوله: {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه} قال: هذا العسل {فيه شفاء للناس} يقول: فيه شفاء الأوجاع التي شفاؤها فيه.
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس} يعني العسل.